944 - سُبْحَانَ مَنْ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَبَيَّنَ لَهُ مِنَ الشَّعَائِرِ وَالشَّرِائِعِ كُلَّ مَا جَلَّ وَدَقَّ، أَنْزَلَ عَلَيْهِ أَظْهَرَ بَيِّنَاتٍ وَأَبْهَرَ حُجَجٍ، قُرْآنًا عَرَبِيَّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ، مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ، لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ، نَاطِقًا بِكُلِّ أَمْرٍ رَشِيدٍ، هَادِيًا إِلَى الصِّرَاطِ العَزِيزِ الْحَمِيدِ، آمِرًا بِعِبَادَةِ الصَّمَدِ الْمَعْبُودِ، كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ، تَكَادُ الرَّوَاسِي لِهَيْبَتِهِ تَمُورُ، وَيَذُوبُ مِنْهُ الْحَدِيدُ وَيَمِيعُ صُمُّ الصُّخُورِ،حَقِيقًا بِأَنْ يُسَيَّرَ بِهِ الْجِبَالُ وَيُيَسَّرَ بِهِ كُلُّ صَعْبٍ مُحَالٍ، مُعْجِزًا أَفْحَمَ كُلَّ مُصْقَعٍ مِنْ مَهَرَةِ قَحْطَانَ، وَبَكَتَ كُلَّ مُفْلَقٍ مِنْ سَحَرَةِ البَيَانِ، بِحَيْثُ لَوِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى مُعَارَضَتِهِ وَمُبَارَاتِهِ لَعَجِزُوا عَنِ الإِتْيَانِ بِمِثْلِ آيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ. نَزَلَ عَلَيْهِ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ لِيُرْشِدَ الأُمَّةَ إِلَى أَقْوَمِ السُّبُلِ فَهَدَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَهُمْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ، فَاضْمَحَلَّ دُجَى البَاطِلِ وَسَطَعَ نُورُ اليَقِينِ
مقدمة إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المشهور بـ ( تفسير أبي السعود)945 - سُبْحَانَ مَنْ أَفَاضَ عَلَى عِبَادِهِ النِّعْمَةَ، وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَأَوْدَعَ الْكِتَابَ الَّذِي كَتَبَهُ، أَنَّ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ، وَتَبَارَكَ مَنْ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ أَعْدَلُ شَاهِدٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنْ فَاضَلَ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالِ حَتَّى عَدَلَ الْآلَافَ الْمُؤَلَّفَةَ مِنْهُمْ بِالرَّجُلِ الْوَاحِدِ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ عِبَادُهُ أَنَّهُ أَنْزَلَ التَّوْفِيقَ مَنَازِلَهُ، وَوَضَعَ الْفَضْلَ مَوَاضِعَهُ، وَأَنَّهُ {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاَللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
مقدمة كتاب (إعلام الموقعين عن رب العالمين) - لابن القيم